يدشن الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم 22 – 01 – 2017 مؤتمره الثالث والعشرين بقصر القبة بالمنزه بحفل افتتاحي ضخم حشد له الحضور من كل ولايات الجمهورية بما يربو عن سبعة الاف من النقابيين تقاطروا على القبة منذ صبيحة هذا اليوم.
وإذا كان من المتفق عليه سلفا من أغلب التونسيين بان مؤتمرات الاتحاد تمثل محطات مفصلية في التاريخ الاجتماعي التونسي في علاقة بالتوجهات الاقتصادية والخيارات الاجتماعية بما ترسمه من خطوط عريضة تؤطر الرؤية النقابية بين مؤتمرين فإن ما لم يألفه التونسيون ولا النقابيون هو هذه التعبئة الجماهيرية غير المسبوقة باستجلاب الالاف الى قبة المنزه بما يذكر بسلوكات الأحزاب في المحطات الانتخابية في سعيها الى إبراز الشوكة واستعراض القوة وهو سلوك مأنوس في سياسة الأحزاب ومندرج ضمن المنطق الحزبي المألوف في الداخل والخارج.
لم يعرف الاتحاد من قبل مؤتمرات تفتتح بهكذا احتفاليات ولا بمثل هذا التحشيد..وهو لم يفعل ذلك لا لكونه عاجزا عن ذلك فقطاع واحد من قطاعاته قادر لوحده على إنزال الالاف الى الشارع وقد حصل ذلك أكثر من مرة ولكنه كان دائما يفضل في مؤتمراته أن يكون مختلفا عن التنظيمات السياسية وعن الأبعاد الاستعراضية والتهييجية لأن سلطات قرارة وخاصة المؤتمر هي مساحة للتفكير ورسم التوجهات من خلال الجدل العميق الذي تستهلكه مناقشة اللوائح .ولأن المؤتمر لم يكن – يوما -مجرد تنافس انتخابي بين من سيقود سفينة الاتحاد في المرحلة القادمة بعد أن قادها الأخ حسين العباسي وفريقه بقدر لا بأس به من الحكمة.
الاتحاد ليس في حال من الاهتزاز والضعف حتى يهرع الى استنهاض منظوريه بمثل هذا المد الجماهيري بل هو على العكس من ذلك في أوج قوته وفي منتهى اكتماله لا سيما بعد نهوضه بمهمات شاقة على الساحة الوطنية بوأته دوليا نيل نيل جائزة نوبل للسلام مع شركائه في هندسة الحوار الوطني.
إن سلوك الاتحاد هذه المرة طرح على المراقبين أسئلة كثيرة لامست الحيرة بل رأى فيه البعض سعيا الى بعث رسائل عن حجم قوته ووفاء مناضليه وإخلاصهم للذود عنه كما لو كان يستشعر خطرا ما يحدق به … ورأى اخرون أن هذه التعبئة تهجس بتغيير يعد له على نار هادئة للعب أدوار متقدمة في الحياة العامة.
غير أن الاتحاد لم ينفك ينهض بأدوار ثقيلة تتجاوز ما هو موكول الى النقابات على الصعيد الدولي وهذا يعود الى منشئه وفلسفة انبعاثه من رحم النضال الوطني حتى بات هذا الدور معتادا لدى الحكومات المتعاقبة.
ربما تكشف الأيام القادمة عن سبب لجوء الاتحاد الى شكل لم يكن من صنيعه قد ينزل به من رصانته المعهودة إلى خدعة السياسة وفتنتها ويزج به في مسارب غير مطروقة لم يتنكبها من قبل. ولا يرمي حرصنا على تدوين هذه الملاحظات الى شيء عدا رغبتنا في أن يظل الاتحاد كيانا مختلفا ومتميزا لا ينقاد إلى أهواء التهريج ولا يرخي العنان لمنطق التمجيد والتصفيق وأن يظل على الدوام ضمانة وطنية صماء تستظل بها جميع الأطراف عندما تنسد السبل.
ونحسب أن الاتحاد يتوفر على التدبير الذي يتيح له أن يحفر مجراه خارج القوالب الجاهزة والأنماط المعلبة التي فقدت بريقها.
مصبــــــــــــــــــــاح شنيــــــــــب