
لم يكن أحد من أهالي الجهة يتوقع النهاية التي آلت إليها هذه القضية التي شغلت الناس وملأت دنيا تونس قاطبة ومرد ذلك تفاعلها السريع في غفلة عن كثير من أهل الجهة وتشبث طرفيها بالمضي بها إلى مآلها المحتوم حتى باتت كما لو أنها مأساة إغريقية.
ورغما عن كل ذلك فإن مساعي من هنا وهناك استشعرت خطورة ما يعد له الطرفان وبذلت جهودا للحيلولة دون وقوعه ولقد قمت شخصيا بالاتصال بالمرحوم لطفي نقض الذي كان ينكر على رابطة حماية الثورة ومن معها التعبئة لتطهير الجهة من ” الأزلام ” وأبلغني أنه سيتصل بالأمن لطلب الحماية وانه ماض في الدفاع عن نفسه أيا كان موقف الجهات التي قد لا تتحمل مسؤوليتها في تأمين حياته.
وهاتفت عشية الواقعة أحد أصدقائي من حركة النهضة وتبادلنا الرأي حول الإعداد لطرد بعض رموز المنظومة القديمة من مواقعهم في حملة ترمي إلى قطع الطريق أمام من كان يراودهم الحنين للعودة إلى النشاط السياسي من التجمع المنحل.
وطلبت من صديقي أن يتدخل لمنع أي اعتداء على الأشخاص وأن تكتفي المسيرة بالطواف في الشوارع والتجمع في ساحة الشعب ورفع ما تشاء من الشعارات دون الاحتكاك بأي كان لأن ذلك لو حدث فسيكون مصدرا لمتاعب كثيرة لا تتحملها الجهة. ولقد أصغى إلي الصديق بكل اهتمام مشككا في نجاحه في إقناعهم.
وبت ليلتي تلك وأنا متوجس مما عساه قد يحدث غدا جراء الشحن الشديد لا سيما وقد بلغني خبر الاجتماعات التي كانت تسعى إلى إشراك أكثر من طرف في هذه العملية التطهيرية
وفي الصباح خاطبت هاتفيا رئيس منطقة الشرطة و قاسمته قلقي الكبير من تطور غير سار للأحداث وانعكاسات ذلك على الجهة. وبينت له الحاجة إلى أن يقوم الأمن بالفصل بين الطرفين وأن يمنع بالقوة – إن لزم الأمر – أي اشتباك بينهما لكني فوجئت برده بأن الأمن ينبغي أن يظل على الحياد فأجبته بأني لا أفهم حياد الأمن إزاء أحداث قد تؤول إلى ما لا يحمد عقباه وقال لي سنراقب الوضع على أي حال وطلب مني ضرورة مساعدة المجتمع المدني في مثل هذه الأحوال.
لكن الأمن – مع الأسف – كان في حكم الغائب عدا عناصر لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة وكان ذلك عاملا من عوامل حصول المأساة.
لم تكن المسيرة كبيرة في البدء ولم يتجاوز عدد المشاركين فيها الستين نفرا حسب تقديري الشخصي لكنها تضخمت وهب إليها الناس بعد رمي المعتصمين بالاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري المتظاهرين بالزجاجات الحارقة مما حول الوضع إلى صدام حقيقي لم أكن شاهدا على تفاصيله لكن نتائجه كانت وخيمة بوفاة محمد لطفي نقض رحمه الله وباعتقال من شارك في هذه العملية من الطرفين وقضاء سنوات في غياهب السجن واكتساب النداء شرعية صعد بها إلى سدة الحكم.
ابتداء
مثل صدور الحكم الابتدائي عودا على بدء إذ ألفينا أنفسنا مجددا في المربع الأول وفاضت القضية على أروقة المحاكم واكتسحت المجالس والعائلات والمقاهي وتواصلت المحاكمة في بلاتوهات التلفزات وحشر القضاء في الزاوية وتعاورته الأسهم من كل صوب وحدب.
إن الجدل المحتدم حول هذه القضية سيجعل تعاطي الاستئناف معها صعبا لاسيما والقضاء لا يحظى بثقة جانب لا بأس به من التونسيين في القضايا ذات الطابع السياسي وتاريخه في ذلك مثخن بالمظالم.
مصبــــــــــــاح شنيـــــــب