إذا كان الشهيد محمد الزواري قد وحد التونسيين حول رفضهم القاطع للاختراق الأمني الذي أودى بحياة مهندس باحث عمل لسنين طويلة في كنف الصمت من أجل تأسيس نواة بحثية في مجال تكنولوجي بالغ الحساسية فإن العائدين من بؤر التوترقد قسموا التونسيين بين موافق على عودتهم ومحاسبتهم وفق القانون التونسي على ما أتوه من أفعال وبين رافض رفضا قطعيا لهذه العودة بل ذهب البعض الى المطالبة بحرمانهم من الجنسية التونسية.
ويحاجج المناهضون لعودتهم بكونهم يشكلون خطرا كبيرا على المجموعة الوطنية باعتبار منسوب العنف الذي ميز سلوكهم وأشعوا به على أقطار أخرى بعضها شقيقة فضلا عن إضرارهم البالغ بسمعة بلدهم الذي أصبح يتصدر الجهات المصدرة للإرهاب.
ويرفع الموافقون على عودتهم حجة دستورية تحجر حجب الجنسية التونسية عن أي مواطن تونسي وتمنع تغريبه او تهجيره تحت اية ذريعة كانت ومن كونه لا معنى لرفض أي دولة تحترم نفسها الاعتراف بمنظوريها بحجة تخوفها من توسيع رقعة الإرهاب على أراضيها. فهل يعقل ان تعجز دولة ما على كبح سفر اولادها الى بؤر التوتر لإنزال الموت بمواطنين تحت حماية دول أخرى وعندما تسمح الظروف باستعادتهم ومحاكمتهم تتهرب من ذلك.
وأحسب أن المنطق السليم يقضي بأن تتولى الدولة التونسية استجلاب مواطنيها وأن تتولى هي دون غيرها مساءلتهم ومحاكمتهم متى تأكدت من أفعالهم الإجرامية وأن تقوم بتأهيل من تأنس من إنقاذهم مما تردوا فيه من تطرف وإجرام جراء اعتناقهم لأفكار منافيةللمقومات الدينية والإنسانية. فتنكر الدولة لمواطنيها لا يختلف في شيء عن تنكر الأسرة لأبنائها بإلقاء تبعاتهم على غيرها. فسلوك مثل هذا مناف للمنطق والقانون والأخلاق.