الشاي عزاء البدو وسلواهم

mosbah مصباححدثنا أهلنا عن بعض أهلنا في الزمن الغابر أن شوقهم إلى الشاي يرقى بهم إلى أعلى مقامات الوجد فتتخذ العلاقة به أشكـالا صوفية يغدو معها التوق إلى كأس من الشاي ضربا من الجذب وحالا من أحوال الشوق إلى معانقة المتعة. ويصل بهم الأمر في أوقات ندرته وصعوبة الوصول إليه إلى الاستعاضة عنه ببعض الحشائش المطبوخة أو البقول المحروقة لإيهام النفس بإشباع طلبها الملح عليه وإسكات الحاجة إليه وفي صورة إتلاف أوانيه من كؤوس وبراد التي لا مناص منها لتحضيره فإنهم يلجؤون إلى ترقيعها وإصلاحها بشتى الوسائل كأن يتم جبر زجاج الكأس بخليط من مح البيض وهباء الحطب المحروق ورغم أن ذلك يشوه شكل الكأس التي تبدو للرائي محاطة بحزام قبيح يفسد شهية مترشفه إذ من تمام لذته أن يرى صافيا من بلور الكأس.غير أن الحاجة وبعد الأسواق عن مضارب البدو يحولان دون اقتناء الكؤوس المعرضة للكسر باستمرار.
ولم يكن كل الناس قادرين على توفير الشاي وحتى في صورة اقتدارهم على ذلك فهو ليس متاحا للجميع فالأطفال والنساء لا حظ لهم فيه ومبلغ ما يدرك الأطفال منه هو أن يمتصوا حشيشته بعد الفراغ من طهيه وبعد أن تكون قد اعتصرت بفعل معاودة طبخها المرة بعد الأخرى بحسب الوقت الذي يستغرقه الميعاد ويكون لونها قد نصل وتلاشت قواها. ويعتبر الشاي أهم من الشعير والقمح إذ يخبأ في صندوق محكم الغلق ويكون المفتاح بيد كبير القوم أو بيد عميدة الأسرة كيف لا وهو يقدم للضيف قبل تحضير الطعام ويعتبر أغلى هدية في أزمنة الجوع والخوف.
ويحكى عن أحد أعمامي ممن لم أدركهم أنه كان شديد التعلق بالشاي وأنه خلال سفره كان يستعجل القافلة للاستراحة وأول ما يبادر به هو إشعال النار لتحضير الشاي قبل أي شيء آخر ومن أغرب ما يروى عنه أنه كان ينبطح ويقترب من البراد الموضوع على النار ويأخذ في ارتشاف ما يفرزه أنبوبه من فقاقيع ناشئة عن الرغوة المتصاعدة جراء شدة حرارة النار.
وأضحى الشــــــاي محل قسم ويقال أن ذلك يعود إلى الصوفي الشيخ أبي الحسن الشاذلي الذي كان يستعين على التهجد وقيام الليل بشرب الشاي حتى ظن الناس أن الشاي من متعلقات القداسة وأصبحنا نسمعهم يقسمون والكأس بين أيديهم بقولهم ” ورأس ها الشاذلية “.


مصبــاح شنيــب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.